فصل: البلاغة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الإعراب:

{لا أُقْسِمُ بِهذَا البلد وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا البلد} تقدم إعراب {لا أقسم} والقول بزيادتها كثيرا فجدد به عهدا و{بهذا} متعلقان بـ: {أقسم} و{البلد} بدل من هذا والواو حالية أو اعتراضية و{أنت} مبتدأ و{حلّ} خبر و{بهذا} متعلقان بـ: {حل} و{البلد} بدل واختار الزمخشري أن تكون الواو اعتراضية والجملة معترضة وردّه أبو حيان.
وفيما يلي عبارة الزمخشري وردّ أبي حيان:
قال الزمخشري: أقسم سبحانه بالبلد الحرام وما بعده على أن الإنسان خلق مغمورا في مكابدة المشاق والشدائد واعتراض بين القسم والمقسم عليه بقوله: {وأنت حل بهذا البلد} يعني ومن المكابدة أن مثلك على عظم حرمتك يستحلّ بهذا البلد الحرام كما يستحلّ الصيد في غير الحرم. إلى أن يقول: أو سلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالقسم ببلده على أن الإنسان لا يخلو من مقاساة الشدائد واعترض بأن وعده بفتح مكة تتميما للتسلية والتنفيس عنه فقال: {وأنت حل بهذا البلد} يعني وأنت حلّ به في المستقبل تصنع فيه ما تريد من القتل والأسر. إلى أن يقول: فإن قلت: أين نظير قوله: {وأنت حلّ} في معنى الاستقبال؟ قلت قوله عزّ وجلّ: {إنك ميت وإنهم ميّتون} ومثله واسع في كلام العباد تقول لمن تعده بالإكرام والحباء: أنت مكرم محبو وهو في كلام العرب أوسع لأن الأحوال المستقبلة عنده كالحاضرة المشاهدة وكفاك دليلا قاطعا على أنه للاستقبال وأن تفسيره بالحال محال أن السورة بالاتفاق مكيّة وأين الهجرة من وقت نزولها فما بال الفتح؟.
وقال أبو حيان: وحمله على أن الجملة اعتراضية لا يتعين وقد ذكرنا أولا أنها جملة حالية وبينّا حسن موقعها وهو إفادة تعظيم المقسم به وهي حال مقارنة لا مقدرة ولا محكية فليست من الإخبار بالمستقبل وأما سؤاله والجواب فهذا لا يسأله من له أدنى تعلق بعلم النحو لأن الإخبار قد يكون بالمستقبلات وأن اسم الفاعل وما جرى مجراه حالة إسناده أو الوصف به لا يتعين حمله على الحال بل يكون للماضي تارة وللحال أخرى وللمستقبل أخرى وهذا من مبادئ علم النحو وأما قوله وكفاك دليلا قاطعا إلخ فليس بشيء لأنّا لم نحمل {وأنت حل} على أنه يحلّ لك ما تصنع في مكة من الأسر والقتل وقت نزولها بمكة فتنافيا بل حملناه على أنه مقيم بها خاصة وهو وقت النزول كان مقيما بها ضرورة وأيضا فما حكاه من الاتفاق على أنها نزلت بمكة ليس بصحيح وقد يحكى الخلاف فيها عن قوم. وإنما أوردنا هذا النقاش وقوة الحجة لدى المتناقشين مما حدا بالمفسرين جميعا على وجه التقريب التزام الحياء في هذا النزاع ولهذا لم نشأ نحن الترجيح أيضا، على أن الكرخي أيّد وجهة نظر الزمخشري إذ قال: أقسم اللّه بالبلد الحرام على أنه خلق الإنسان في كبد واعترض بينهما بأن وعده فتح مكة تتميما للتسلية لقوله وأنت حلّ أي به في المستقبل تصنع ما تريد من القتل والأسر. وكذلك أيّد الجلال في تفسيره الزمخشري فقال فالجملة اعتراض بين المقسم والمقسم عليه. وتعقبه السمين فأورد كلامه وقال: وقيل إنها حالية ولا نافية أي لا أقسم بهذا البلد وأنت حال مقيم به لعظيم قدرك أي لا أقسم بشيء وأنت أحقّ بالإقسام بك منه. وأيّد ابن خالويه أبا حيان.
{وَوالِدٍ وَما ولد} عطف على القسم السابق والمراد بالوالد آدم وما عطف على {والد} وجملة {ولد} صلة أي ذريته، وأحسن من ذلك ما قاله أبو حيان: والظاهر أن قوله: {ووالد وما ولد} لا يراد به معين بل ينطلق على كل والد. أما الزمخشري فقد جنح إلى رأي آخر فقال: فإن قلت: ما المراد بـ: {والد وما ولد}؟ قلت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ومن ولده أقسم ببلده الذي هو مسقط رأسه وحرم أبيه إبراهيم ومنشأ أبيه إسماعيل عليهما السلام وبمن ولده وبه.
فإن قلت: لم نكر؟ قلت للإبهام المستقل بالمدح والتعجب.
فإن قلت: فهلّا قيل ومن ولد؟ قلت فيه ما في قوله: {واللّه أعلم بما وضعت} يعني موضوعا عجيب الشأن.
وقال الفراء وما للناس كقوله: ما طاب لكم {وما خلق الذكر والأنثى} وهو الخالق للذكر والأنثى.
{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كبد} الجملة جواب القسم واللام واقعة في الجواب وقد حرف تحقيق و{خلقنا} فعل وفاعل و{الإنسان} مفعول به وأل فيه للجنس لأنه أراد جنس الإنسان و{في كبد} متعلقان بمحذوف على أنها حال من الإنسان أي مكابدا للمشاق منتصبا على قدميه يؤدي دوره في بناء مجتمعه لا كالحيوان الذي يتناول طعامه بفمه.
{أيحسب أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أحد} الهمزة للإنكار والتوبيخ ويحسب فعل مضارع مرفوع وفاعله مستتر يعود على الإنسان أو على بعض صناديد قريش الذين كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يكابد منهم ما يكابد، وأن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن و{لن} حرف نفي ونصب واستقبال و{يقدر} فعل مضارع منصوب بـ: {لن} و{عليه} متعلقان بـ: {يقدر} و{أحد} فاعل {يقدر}، ومن العجيب أن يقول ابن خالويه ما نصّه: {أن} حرف ناصب و{لن} حرف نصب و{يقدر} منصوب بـ: {لن} والعرب إذا جمعت بين حرفين عاملين ألغت أحدهما. فهذا هو الهراء الذي ما بعده هراء وهذا هو الخرق الفاضح لإجماع النحاة على استشهادهم بالآية المذكورة لأنه يشترط في أن المفتوحة إذا خفّفت أن يكون اسمها ضميرا للشأن ولم يسمع ذكره إلا في ضرورة الشعر كقول جنوب أخت عمرو ذي الكلب:
وقد علم الضيف والمرملون ** إذا اغبرّ أفق وهبت شمالا

بأنك ربيع وغيث مريع ** وأنك هناك تكون الثمالا

فقد أتى اسمها ضميرا مذكورا وليس للشأن وأما خبرها فيجب أن يكون جملة، ثم إن كانت الجملة اسمية أو فعلية فعلها جامد أو دعاء لم تحتج إلى فاصل فالاسمية نحو {وآخر دعواهم أن الحمد للّه رب العالمين} والفعلية التي فعلها جامد نحو وأن ليس للإنسان إلا ما سعى والفعلية التي فعلها دعاء نحو {والخامسة أن غضب اللّه عليها}، ويحب الفصل في غيرهنّ ليكون عوضا مما حذفوا من أنه وهو أحد النونين والاسم أو لئلا يلتبس بأن المصدرية والفصل إما بقد لأنها تقرّب الماضي من الحال نحو ونعلم أن قد صدقتنا، أو تنفيس نحو علم أن سيكون، أو نفي بلا أو لن أو لم، فمثال لن {أيحسب أن لن يقدر عليه أحد}، فإن قيل قد أوجبوا أن تكون مخفّفة بعد فعل العلم أما بعد فعل الظن فقد أجازوا أن تكون مخففة ومصدرية قلت: ما كان أرفع أسلوب القرآن عن إقحام عاملين بمعنى واحد واضطرارنا إلى إلغاء أحدهما وهذا ما يترفع عنه أسلوب القرآن العظيم.
{يَقول أَهْلَكْتُ مالًا لبدا} الجملة حالية أو استئنافية والقول على سبيل الفخر والمباهاة وجملة {أهلكت} مقول القول ومالا مفعول به و{لبدا} نعت.
{أيحسب أَنْ لَمْ يَرَهُ أحد} الاستفهام للإنكار والتوبيخ أيضا وإعرابها كإعراب سابقتها.
{أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عينين وَلِساناً وشفتين وَهَدَيْناهُ النجدين} الهمزة للاستفهام التقريري ولم حرف نفي وقلب وجزم و{نجعل} فعل مضارع مجزوم بـ: {لم} و{له} متعلقان بـ: {نجعل} لأنها بمعنى نخلق و{عينين} مفعول به {ولسانا وشفتين} عطف على {عينين} والشفة محذوفة اللام والأصل شفهة بدليل تصغيرها على شفيهه وجمعها على شفاه ونظيره سنة ولا تجمع بالألف والتاء استغناء بتكسيرها على شفاه، {وهديناه} فعل ماض وفاعل ومفعول به و{النجدين} مفعول به ثان أو منصوب بنزع الخافض كما تقدم.
{فَلَا اقْتَحَمَ العقبة وَما أَدْراكَ مَا العقبة} الفاء عاطفة ولا نافية وهو قول أبي عبيدة والفراء والزجّاج كأنه قال: ووهبنا له الجوارح ودللناه على السبيل فما فعل خيرا أي فلم يقتحم، وقال الفراء والزجّاج: ذكر لا مرة واحدة والعرب لا تكاد تفرد لا مع الفعل الماضي حتى تعيدها كقوله تعالى: {فلا صدق ولا صلّى} وإنما أفردها لدلالة آخر الكلام على معناه فيجوز أن يكون قوله الآتي {ثم كان} إلخ قائما مقام التكرير كأنه قال اقتحم العقبة ولا آمن وقيل هو جار مجرى الدعاء كقوله لا نجا ولا سلم دعاء عليه أن لا يفعل خيرا، وقال الزمخشري بعد أن تنحل مقالة الفراء والزجّاج وأبي عبيدة هي بمعنى لا متكررة في المعنى لأن معنى {فلا اقتحم العقبة} فلا فكّ رقبة ولا أطعم مسكينا، ألا ترى أنه فسّر اقتحام العقبة بذلك. ولا يتمّ له هذا إلا على قراءة من قرأ {فكّ} فعلا ماضيا، على أن أغرب ما قرأناه هو قول الشيخ الجلال أن لا بمعنى هلّا أي حرف تحضيض وقد ارتكن الجلال على رواية لأبي زيد ولكننا لم نسمع أن لا وحدها تكون للتحضيض وليس معها الهمزة، وعبارة ابن هشام في المغني: وأما قوله سبحانه وتعالى: {فلا اقتحم العقبة} فإن لا فيه مكررة في المعنى لأن المعنى فلا فكّ رقبة ولا أطعم مسكينا لأن ذلك تفسير للعقبة قاله الزمخشري، وقال الزجّاج: إنما جاز لأن {ثم كان من الذين آمنوا} معطوف عليه وداخل في النفي فكأنه قيل: فلا اقتحم ولا آمن. ولو صحّ لجاز لا أكل زيد وشرب، وقال بعضهم لا دعائية دعا عليه أن لا يفعل خيرا، وقال آخر: تحضيض والأصل فألّا اقتحم ثم حذفت الهمزة وهو ضعيف.
ومن مراجعة هذه الأقوال يتبين أن جعلها دعائية هو الأرجح والأمثل بأسلوب القرآن الكريم.
قال الدماميني: هذا وجه ظاهر الحسن لا غبار عليه فكان الأولى تقديمه على غيره من الأقوال. و{اقتحم العقبة} فعل ماض وفاعل مستتر تقديره هو أي القائل ومفعول به وسيأتي المزيد من معنى اقتحام العقبة في باب البلاغة والواو اعتراضية و{ما} اسم استفهام في محل رفع مبتدأ وجملة {أدراك} خبر {ما} و{ما} اسم استفهام مبتدأ و{العقبة} خبر والجملة الاسمية المعلقة بالاستفهام في محل نصب سدّت مسدّ مفعول {أدراك} الثاني والجملة معترضة مقحمة لبيان العقبة مقررة لمعنى الإبهام، والتفسير: فإن قوله: {وما أدراك ما العقبة} عين تلك العقبة لأن المعرّف بالألف واللام إذا أعيد كان الثاني عين الأول.
{فَكُّ رقبة أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مسغبة يَتِيماً ذا مقربة أَوْ مِسْكِيناً ذا متربة} {فكّ رقبة} خبر لمبتدأ مضمر أي هو فكّ والتقدير وما هو اقتحام العقبة هو {فك رقبة أو إطعام} إلخ وإنما احتيج إلى تقدير هذا المضاف ليتطابق المفسّر والمفسّر، ألا ترى أن المفسر بكسر السين مصدر والمفسر بفتح السين وهو العقبة غير مصدر فلو لم يقدّر المضاف لكان المصدر وهو {فكّ} مفسّرا للعين وهي {العقبة} وقرئ {فكّ رقبة} على أنه فعل ماض وفاعله هو و{رقبة} مفعول والجملة الفعلية عندئذ بدل من قوله: {اقتحم العقبة} المنفي بلا فكأنه قيل فلا فكّ رقبة ولا أطعم وهذا يؤيد ما ذهب إليه الزمخشري. {أو إطعام} عطف على {فكّ رقبة} على القراءة الأولى و{في يوم} متعلقان بـ: {إطعام} و{ذي مسغبة} نعت {يوم} و{يتيما} مفعول لـ: {إطعام} على أنه مصدر استوفى شروط النصب أو مفعول {أطعم} على القراءة و{ذا مقربة} نعت لـ: {يتيما} و{أو} حرف عطف و{مسكينا} عطف على {يتيما} و{ذا متربة} نعت لـ: {مسكينا}.
{ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بالمرحمة} {ثم} حرف عطف يفيد التراخي في الرتبة لأن الإيمان هو الأصل والأسبق ولا يتم عمل إلا به، و{كان} فعل ماض ناقص واسمها مستتر يعود عليه و{من الذين} خبرها وجملة {آمنوا} صلة {وتواصوا} عطف على الصلة داخل في حيّزها و{بالصبر} متعلقان بـ: {تواصوا} و{تواصوا بالمرحمة} عطف أيضا.
{أُولئِكَ أَصْحابُ الميمنة وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا هُمْ أَصْحابُ المشأمة عَلَيْهِمْ نارٌ مؤصدة} {أولئك} مبتدأ و{أصحاب الميمنة} خبر {والذين} مبتدأ وجملة {كفروا} صلة و{بآياتنا} متعلقان بـ: {كفروا} و{هم} مبتدأ و{أصحاب المشأمة} خبره والجملة خبر {الذين}، وسيأتي بحث قيّم عن اختلاف صيغ التعبير في باب البلاغة و{عليهم} خبر مقدّم و{نار} مبتدأ مؤخر و{مؤصدة} صفة لـ: {نار} والجملة خبر ثان ولك أن تجعلها استئنافية.

.البلاغة:

1- في قوله: {وهديناه النجدين} استعارة تصريحية فقد استعار {النجدين} للخير والشر وحذف المشبه وهو الخير والشر وأبقى المشبه به.
فإن قلت: أما تشبيه الخير بالنجد وهو المرتفع من الطريق فلا غبار عليه لأنه ظاهر بخلاف الشر فإنه هبوط وارتكاس من ذروة الفطرة إلى حضيض الابتذال.
قلنا: إنه جمع بينهما إما على سبيل التغليب وإما على توهم المخيلة أن فيه صعودا وارتكاسا وإسفافا وهذا من أبلغ الكلام وأروعه.
2- وفي قوله: {فلا اقتحم العقبة} ترشيح للاستعارة بذكر ما يلائم المشبه وقد مرّت أمثلتها ونضيف هنا أن مبنى الترشيح تناسي التشبيه وتقوله الادّعاء والمبالغة ولهذا كان الترشيح أبلغ من التجريد وهو ذكر ما يلائم المشبه دون المشبّه به لأن فيه اعترافا بالتشبيه حتى يبنى على علو القدر المشبه بالعلو المكاني ما يبنى على العلو المكاني كما قال أبو تمام:
ويصعد حتى يظن الجهول ** بأن له حاجة في السماء

استعار الصعود لعلو القدر ثم بنى عليه ما يبنى على علو المكان فلولا أن قصده أن يتناسى التشبيه ويصرّ على إنكاره فيجعله صاعدا في السماء لما كان لهذا الكلام وجه ثم إنهم يفعلون ذلك التناسي مع التصريح بالتشبيه والاعتراف بالأصل فمع جحد الأصل والإصرار عليه كما في الاستعارة أولى فأولى كقول العباس بن الأحنف:
هي الشمس مسكنها في السماء ** فعزّ الفؤاد عزاء طويلا

فلن تستطيع إليها الطلوع ** ولن تستطيع إليك النزولا

ولا يخفى أن هذا التناسي وقع مع الاعتراف بالأصل وهو: هي في قوله هي الشمس لأنها راجعة إلى الحبيبة وهذا واضح وجعله ضمير القصة كما توهمه بعضهم تكلف.
ومن أمثلة الاستعارة المجردة أيضا قول الشاعر:
فإن يهلك فكل عمود قوم ** من الدنيا إلى هلك يصير

ففي قوله عمود استعارة تصريحية أصلية شبّه رئيس القوم بالعمود بجامع أن كلاهما يحمل والقرينة يهلك وفي إلى هلك يصير تجريد وقد يجتمع الترشيح مع التجريد لجواز أن يتناسى التشبيه في بعض الصفات دون بعض، ومن أمثلته قول أبي الطيب:
سقاك وحيّانا بك اللّه إنما ** على العيس نور والخدور كمائمه

فالنور الزهر أو الأبيض منه والمراد به هنا النساء والجامع الحسن فالاستعارة تصريحية أصلية وفي ذكر الخدور تجريد وفي ذكر الكمائم ترشيح وتسمى الاستعارة عندئذ مطلقة.
3- وفي قوله: {أولئك أصحاب الميمنة والذين كفروا هم أصحاب المشأمة} خولف في التعبير، فقد أشار إلى المؤمنين تكريما لهم وأنهم حاضرون عنده تعالى في مقام كرامته وبمثابة الجالسين أمامه لا يعدو الأمر أكثر من الإشارة إليهم بالبنان ثم استعمل لفظ الإشارة الدّال على البعد فلم يقل هؤلاء إيذانا ببعد منزلتهم عنده ونيلهم شرف الحظوة والقرب منه أما الكافرون فقد ذكرهم بضمير الغيبة إشارة إلى أنهم غائبون عن مقام تجلياته وسبحات فيوضاته وأنهم لا يستأهلون أن يمتّوا إليه ولو بأوهن الأسباب، وهذا من العجب العجاب فتدبره. اهـ.